دكتور عمر العمر > الخطب > خطب نصية > أحكام المسح على الخفين

أحكام المسح على الخفين

أحكام المسح على الخفين

إنَّ الْحَمْدَ لِلهِ نَحْمَدُهُ وَنَسْتَعِينُهُ وَنَسْتَغْفِرُهُ، وَنَعُوذُ بِاللهِ مِنْ شُرُورِ أَنْفُسِنَا وَمِنْ سَيِّئَاتِ أَعْمَالِنَا، مَنْ يَهْدِهِ اللهُ فَلاَ مُضِلَّ لَهُ، وَمَنْ يُضْلِلْ فَلاَ هَادِىَ لَهُ، وَأَشْهَدُ أَنْ لاَ إِلَهَ إِلاَّ اللهُ وَحْدَهُ لاَ شَرِيكَ لَهُ، وَأَشْهَدُ أَنَّ مُحَمَّدًا عَبْدُهُ وَرَسُولُهُ {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ حَقَّ تُقَاتِهِ وَلَا تَمُوتُنَّ إِلَّا وَأَنْتُمْ مُسْلِمُونَ} (آل عمران:102) {يَا أَيُّهَا النَّاسُ اتَّقُوا رَبَّكُمُ الَّذِي خَلَقَكُمْ مِنْ نَفْسٍ وَاحِدَةٍ وَخَلَقَ مِنْهَا زَوْجَهَا وَبَثَّ مِنْهُمَا رِجَالًا كَثِيرًا وَنِسَاءً وَاتَّقُوا اللَّهَ الَّذِي تَسَاءَلُونَ بِهِ وَالْأَرْحَامَ إِنَّ اللَّهَ كَانَ عَلَيْكُمْ رَقِيبًا} (النساء:1) {يَاأَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللهَ وَقُولُوا قَوْلاً سَدِيدًا * يُصْلِحْ لَكُمْ أَعْمَالَكُمْ وَيَغْفِرْ لَكُمْ ذُنُوبَكُمْ وَمَنْ يُطِعِ اللهَ وَرَسُولَهُ فَقَدْ فَازَ فَوْزًا عَظِيمًا} (الأحزاب: 70، 71)

فيا معاشر المسلمين: اتقوا الله تعالى لعلكم تفلحون، وأطيعوا الله والرسول لعلكم ترحمون. معاشر المسلمين: يقول الله تعالى في كتابه العزيز ﴿وَمَا جَعَلَ عَلَيْكُمْ فِي الدِّينِ مِنْ حَرَجٍ﴾، وقال جلّ في علاه: ﴿يُرِيدُ الله بِكُمُ اليسر وَلاَ يُرِيدُ بِكُمُ العسر﴾، ألا وإن من الدلائل الواضحة على سماحة الإسلام وسهولة شرائعه ما شرعه الله تعالى لعباده من المسح على الخفين عند الوضوء، فقد أجمع علماء الإسلام على مشروعيته واتفق على ذلك أهل السنة والجماعة، فهو مشروع في الحضر والسفر للرجال والنساء تيسيرا على المسلمين.

قال الحسن البصري رحمه الله: (حدثني سبعون من أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم، أنه صلى الله عليه وسلم مسح على خفيه).

وقال إمام أهل السنة الإمام أحمد ابن حنبل رحمه الله: (ليس في نفسي من المسح شيء فيه أربعون حديثا عن النبي صلى الله عليه وسلم).

وقال الإمام عبد الله ابن المبارك رحمه الله (ليس بين الصحابة خلاف في جواز المسح على الخفين)، ولهذا كان المسح على الخفين شعارا لأهل السنة، وإنكاره شعارا لأهل البدع والضلال.

قال ابن ابي العز الحنفي: (تواترت السنة عن رسول الله صلى الله عليه وسلم بالمسح على الخفين وبغسل الرجلين والروافض يخالفون هذه السنة المتواترة).

معاشر المسلمين: ولا فرق في الحكم بين المسح على الخفين أو المسح على الجوربين والخفان هما ما صنع من جلد ونحوه، وأما الجوربان فهما ما صنع من قطن ونحوه، وهو ما يسمى في وقتنا الحاضر بالشراب.

قال إسحاق بن راهوية رحمه الله: (مضت السنة من أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم ومن بعدهم من التابعين في المسح على الجوربين لا اختلاف لهم في ذلك).

وذكر ابن المنذر رحمه الله جواز المسح على الجوربين عن تسعة من أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم، وزاد عليهم الإمام ابن القيم أربعة ثم قال فهؤلاء ثلاثة عشر صحابيا والعمدة في الجواز على هؤلاء رضي عنهم.

معاشر المسلمين: ولما كان الناس يحتاجون إلى لبس الخفين أو الجوربين خصوصًا في فصل الشتاء لدفع شدة البرد وطرب الدفء، سهل الله الأمر ويسره، فلم يوجب على الإنسان خلع شرابه عند الوضوء، وإنما أجاز له أن يمسح عليها بدلًا من غسل الرجلين، فمن كان على رجليه شراب وقد لبسهما على طهارة فإنه يجوز أن يمسح عليهما يوما وليلة إن كان مقيما، وثلاثة أيام بلياليهن إن كان مسافرا، فالعبرة حينئذ هو بالزمن وليست العبرة بعدد الصلوات، كما يظن بعض الناس.

وابتداء مدة المسح يكون من أول مسح بعد الحدث، وليس ابتداؤها من اللبس أو من الحدث، بل البداية تكون من أول مرة مسح بعد الحدث، وإذا انتقضت طهارته بعد فراغ المدة وجب عليه أن يخلع الشراب عند وضوئه ويغسل رجليه، وأما إذا مسح بعد انتهاء المدة فلا وضوء له، سواء كان ذاكرًا أم ناسيًا، ولو صلى في هذا الوضوء وجب عليه إعادة الصلاة، وأما إذا خلع الشراب وهو على طهارة فإن طهارته على الصحيح من أقوال أهل العلم فإن طهارته باقية لا تنتقض بالخلع حتى يوجد ناقض من نواقض الوضوء.

قال شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله (ولا ينتقض وضوء الماسح على الخف والعمامة بنزعهما ولا بانقضاء المدة ولا يجب عليه مسح رأسه ولا غسل قدميه وهو مذهب الحسن البصري كإزالة الشعر الممسوح على الصحيح من مذهب أحمد وقول الجمهور) ا.هـ.

وأما المسح على الشراب المفرق أو الخفيف فالصحيح من أقوال العلماء أيضًا هو جواز المسح عليها.

قال شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله (ويجوز المسح على الخف المخرق ما دام اسمه باقيا، والمشي فيه ممكنا، وهو قديم قولي الشافعي واختيار أبي البركات وغيره من العلماء)ا.هـ.

وروى عبد الرزاق في مصنفه عن سفيان الثوري رحمه الله قال: (امسح عليهما ما تعلقت به رجلك، وهل كانت خفاف المهاجرين والأنصار إلا مفرقة مشققة).

وقال أبو ثور رحمه الله: (ولو كان الفرق يمنع من المسح لبينه النبي صلى الله عليه وسلم، وقد رجح هذا القول الإمام ابن منذر رحمه الله قائلا بأن النبي عليه الصلاة والسلام لما مسح على الخفين وأذن بالمسح عليهما إذنًا عامًا مطلقًا دخل فيه جميع الخفاف، فكل ما وقع عليه اسم خف فالمسح عليه جائز على ظاهر أخبار. ا.هـ.

معاشر المسلمين: ومن المسائل المتعلقة بالمسح على الخفين او الجوربين، أنه إذا لبس جوربًا أو خفًا ثم أحدث ومسح عليه ثم لبس عليه جورب الآخر وهذا يحصل أحيانا مع ازدياد شدة البرد، فالجواب أن له أن يمسح على الجورب الثاني، لكن المدة تكون من المسح على الأول.

ومن المسائل أيضًا أنه لو شك إنسان في ابتداء المدة فلا يدري مثلًا هل بدأ بالمسح من صلاة الظهر أو من صلاة العصر فإنه في هذه الحالة يبني على اليقين ويجعل ابتداء المدة من صلاة العصر لأن الأصل عدم المسح.

معاشر المسلمين: اشترطوا شروطًا في جواز المسح على الخفين أو الجوربين،

فالشرط الأول: أن يكون الملبوس طاهرًا، فإن كان نجسًا لم يجز المسح عليه،

والشرط الثاني: أن يلبس على طهارة، فإن لُبس على غير طهارة لم يجز المسح عليه لقول النبي صلى الله عليه وسلم للمغيرة بن شعبة رضي الله عنه حين أراد أن ينزع خفيه فقال له النبي عليه الصلاة والسلام دعهما فإنني أدخلتهما طاهرتين. متفق عليه.

والشرط الثالث: أن يكون ذلك في الحدث الأصغر، فإن أصابته الجنابة لم يجز المسح و وجب عليه غسل الرجلين.

والشرط الرابع: أن يكون ذلك في المدة المحددة شرعًا في يوم وليلة للمقيم، وثلاثة أيام ولياليها للمسافر، تبدأ هذه المدة كما أسلفنا من أول مسح بعد الحدث، وإذا مسح المقيم ثم سافر فإنه يتم مسح مسافر، وإذا مسح المسافر ثم أقام فإنه يتم مسح مقيم، وهذا القول هو قول الراجح من أقوال أهل العلم رحمهم الله، وأما كيفية المسح فهي أن يبل المتوضأ يديه بالماء ثم يمرهما على ظاهر قدميه فقط، اليد اليمنى على القدم اليمنى، واليسرى على اليسرى مرة واحدة من أطراف أصابع القدمين إلى بداية الساق.

قال علي رضي الله عنه: (لو كان الدين بالرأي لكان أسفل الخف أولى بالمسح من أعلاه وقد رأيت النبي صلى الله عليه وسلم يمسح على ظاهر خفيه) أخرجه أبوداود في سننه.

فاتقوا الله يا معاشر المسلمين وتفقهوا في الدين لقد قال نبيكم صلى الله عليه وسلم: (من يرد الله به خيرا يفقه في الدين).

بارك الله لي ولكم في القرآن العظيم……

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *