فضل العلم والتعليم
إنَّ الْحَمْدَ لِلهِ نَحْمَدُهُ وَنَسْتَعِينُهُ وَنَسْتَغْفِرُهُ، وَنَعُوذُ بِاللهِ مِنْ شُرُورِ أَنْفُسِنَا وَمِنْ سَيِّئَاتِ أَعْمَالِنَا، مَنْ يَهْدِهِ اللهُ فَلاَ مُضِلَّ لَهُ، وَمَنْ يُضْلِلْ فَلاَ هَادِىَ لَهُ، وَأَشْهَدُ أَنْ لاَ إِلَهَ إِلاَّ اللهُ وَحْدَهُ لاَ شَرِيكَ لَهُ، وَأَشْهَدُ أَنَّ مُحَمَّدًا عَبْدُهُ وَرَسُولُهُ ﴿يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ حَقَّ تُقَاتِهِ وَلَا تَمُوتُنَّ إِلَّا وَأَنْتُمْ مُسْلِمُونَ﴾ [آل عمران: 102]، ﴿يَا أَيُّهَا النَّاسُ اتَّقُوا رَبَّكُمُ الَّذِي خَلَقَكُمْ مِنْ نَفْسٍ وَاحِدَةٍ وَخَلَقَ مِنْهَا زَوْجَهَا وَبَثَّ مِنْهُمَا رِجَالًا كَثِيرًا وَنِسَاءً وَاتَّقُوا اللَّهَ الَّذِي تَسَاءَلُونَ بِهِ وَالْأَرْحَامَ إِنَّ اللَّهَ كَانَ عَلَيْكُمْ رَقِيبًا﴾ [النساء: 1]، ﴿يَاأَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللهَ وَقُولُوا قَوْلاً سَدِيدًا * يُصْلِحْ لَكُمْ أَعْمَالَكُمْ وَيَغْفِرْ لَكُمْ ذُنُوبَكُمْ وَمَنْ يُطِعِ اللهَ وَرَسُولَهُ فَقَدْ فَازَ فَوْزًا عَظِيمًا﴾ [الأحزاب: 70، 71]. أما بعد…… فاتقوا الله معاشر المسلمين وتفقهوا في الدين لتكونوا من المفلحين.
معاشر المسلمين: طلب العلم الشرعي عبادة عظيمة يُتقربُ بها إلى الله تعالى، ولأجل جلالة قدره وعظم منزلته فقد قرن الله شهادة أهله بشهادته وشهادة ملائكته، وخص شهادتهم بالذكر على أعظم مشهود عليه، وهو التوحيد.
فقال تعالى: ﴿شَهِدَ اللَّهُ أَنَّهُ لَا إِلَٰهَ إِلَّا هُوَ وَالْمَلَائِكَةُ وَأُولُو الْعِلْمِ قَائِمًا بِالْقِسْطِ ۚ لَا إِلَٰهَ إِلَّا هُوَ الْعَزِيزُ الْحَكِيمُ﴾ [آل عمران: 18].
وعظم الله أيضا شأن العلماء حيث رفع قدرهم وأعلى شأنهم فقال سبحانه وتعالى: ﴿يَرْفَعِ اللَّهُ الَّذِينَ آمَنُوا مِنكُمْ وَالَّذِينَ أُوتُوا الْعِلْمَ دَرَجَاتٍ ۚ وَاللَّهُ بِمَا تَعْمَلُونَ خَبِيرٌ﴾ [المجادلة: 11].
ومما يبين فضل العلم وأهله أن الله تعالى نفى المساواة بين الذين يعلمون والذين لا يعلمون
فقال سبحانه وتعالى: ﴿أَمَّنْ هُوَ قَانِتٌ آنَاءَ اللَّيْلِ سَاجِدًا وَقَائِمًا يَحْذَرُ الْآخِرَةَ وَيَرْجُو رَحْمَةَ رَبِّهِ ۗ قُلْ هَلْ يَسْتَوِي الَّذِينَ يَعْلَمُونَ وَالَّذِينَ لَا يَعْلَمُونَ ۗ إِنَّمَا يَتَذَكَّرُ أُولُو الْأَلْبَابِ﴾ [الزمر: 9].
ولأجل العلم وفضله فقد أمر نبيه صلى الله عليه وسلم بالاستزادة منه فقال سبحانه وتعالى: ﴿وَقُل رَّبِّ زِدْنِي عِلْمًا﴾ [طه: 114].
قال سفيان ابن عيينة رحمه الله: ولم يزل صلى الله عليه وسلم في زيادة [من العلم] حتى توفاه الله عز وجل.
معاشر المسلمين: ومما يبين فضل العلم والتفقه في الدين ما جاء في الصحيحين من حديث معاوية رضي الله عنه قال قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: (من يرد الله به خيرا يفقهه في الدين).
قال شيخ الإسلام ابن تيمية: (كل من أراد الله به خيراً فلا بد أن يفقهه في الدين، فمن لم يفقهه في الدين لم يرد الله به خيراً) …
وليس كلّ من فقهه في الدين قد أراد به خيراً، بل لا بد مع الفقه في الدين من العمل به، فالفقه في الدين شرط في حصول الفلاح.
وقال الحافظ ابن حجر: (ومفهوم الحديث أن من لم يتفقه في الدين، أي يتعلم قواعد الإسلام وما يتصل بها من الفروع، فقد حرم الخير).
معاشر المسلمين: وهذا الحديث العظيم وهو قوله صلى الله عليه وسلم: (من يرد الله به خيرا يفقهه في الدين). فيه الدلالة الواضحة على أن العلم الشرعي والتفقه في الدين هو العلم النافع الذي هو أفضل العلوم وأزكاها.
قال العلامة عبدالرحمن السعدي: (العلم النافع هو العلم المزكي للقلوب والأرواح، المثمر لسعادة الدارين، وهو ما جاء به الرسول صلى الله عليه وسلم من حديث وتفسير وفقه، وما يعين على ذلك من علوم العربية). ا.ه
ومما يدل فضل العلم الشرعي أيضا قول الله تعالى: ﴿إِنَّمَا يَخْشَى اللَّهَ مِنْ عِبَادِهِ الْعُلَمَاءُ ۗ ﴾ [فاطر: 28]، والمراد بالخشية هاهنا الخشية الكاملة.. فالخشية الكاملة كما يقول سماحة شيخنا ابن باز رحمه الله هي لأهل العلم، وأعلاهم الرسل والأنبياء، ثم الأمثل فالأمثل من أهل العلم على حسب تقواهم لله، وعلى حسب سعة علمهم، وعلى حسب قوة إيمانهم وكمال إيمانهم وتصديقهم).أهـ
وقال أيضا رحمه الله: (أكمل الناس خشية لله هم العلماء بالله، العلماء بدينه، ليسوا علماء الطب، وليسوا علماء الهندسة، وليسوا علماء الجغرافيا، وليسوا علماء الحساب، وليسوا علماء كذا وكذا، ولكنهم العلماء بالله وبدينه وبما جاء به رسوله -عليه الصلاة والسلام).
معاشر المسلمين: ولأجل ذلك نقول ثمرات العلم الشرعي عظيمة جدا فمن ثمراته أن المؤمن يقوى إيمانه بتحقيق التوحيد ومعرفة أسماء الله وصفاته، كما أنه بالعلم الشرعي يعبد الله على بصيرة فيعرف كيف يتوضأ وكيف يصلي وكيف يزكي ماله وكيف يصوم وكيف يؤدي مناسك الحج وهكذا يقال في بقية العبادات وأنواع المعاملات.
و من ثمراته أيضا أنه يقضي على ظلمات البدع والأهواء، ويعصم المرء من الوقوع في الفتن .. قال شيخ الإسلام رحمه الله: (الفتن القولية والعملية هي من الجاهلية بسبب خفاء نور النبوة)، كما قال الإمام مالك بن أنس: إذا قلّ العلم ظهر الجفاء، وإذا قلّت الآثار ظهرت الأهواء.
معاشر المسلمين: وأما بقية العلوم كالطب والصيدلة والهندسة وعلوم الحاسب الآلي والتخصصات الإدارية والمالية وغيرها فهي أيضا من العلوم المهمة التي تحتاجها الأمة ويعود نفعها على البلاد والعباد .. لكن ينبغي لمن تخصص فيها أن ينوي الخير بها لكي ينال الثواب عليها.
قال سماحة شيخنا ابن باز رحمه الله: (الاشتغال بالعلوم الدنيوية التي تنفع المسلمين إن كان لله؛ أُجِرَ عليها، مع فائدتها العظيمة، وإن كان يتعلَّمها للدنيا ليستفيد في دنياه فهذا مباحٌ ولا يضرُّه ذلك).
وقال أيضا: (تعلمُ العلومِ الدنيوية أمرٌ مفيدٌ ونافعٌ، بشرط ألا يشغل عن علم الآخرة وعمَّا ينفعه في الآخرة، فإن جمع بينهما فقد جمع خيرًا إلى خيرٍ، وإن صلحت نيته في علوم الدنيا كانت عبادةً) أ.ه
نسأل الله تعالى أن يوفقنا أجمعين للعلم النافع والعمل الصالح ويجعلنا هداة مهتدين غير ضالين ولا مضلين.
بارك الله لي ولكم….
الخطبة الثانية
الحمد لله الذي علَّمَ بالقلم، علَّم الإنسانَ ما لم يعلَم، والصَّلاة والسَّلام على النبيِّ الأكرَم، والمعلِّم الأعظم نبينا محمد – صلَّى الله عليه وعلى آله وصحبه وسلَّم أما بعد..
فاتقوا الله معاشر المسلمين: ﴿وَاتَّقُوا يَوْمًا تُرْجَعُونَ فِيهِ إِلَى اللَّهِ ۖ ثُمَّ تُوَفَّىٰ كُلُّ نَفْسٍ مَّا كَسَبَتْ وَهُمْ لَا يُظْلَمُونَ﴾ [البقرة: 281].
معاشر المسلمين: ومع استئناف التعليم وانطلاق الدراسة للفصل الدراسي الثاني في جامعاتنا ومدارسنا.. فإنني أوصي نفسي وإخواني وأخواتي ممن تشرفوا بمهنة التعليم تلك المهمة العظيمة والوظيفة العالية القديرة اوصيهم جميعا بتقوى الله تعالى في أبنائنا وبناتنا في حسن تعليمهم والصدق في نصحهم وتوجيههم، والسعي الحثيث في تقوية إيمانهم وتحسين أخلاقهم وحماية عقولهم وتحصين أفكارهم، كما أنني أوصي الطلاب والطالبات بالجد والاجتهاد في التعلم والدراسة والمثابرة في التحصيل.
بقدر الكدّ تكتسبُ المعالي
و من طلب العُلاَ سهر الليالي
و من رام العٌلا من غير كدٍّ
أضاع العمر في طلب المحالِ
وقال الآخر:
لا تحسَبن المجدَ تمرًا أنتَ آكلُه
لن تبلغَ المجد حتى تلعَق الصَّبِرا.
معاشر المسلمين: ومع العودة للمدارس وميادين التعليم في ظل استمرار وجود الوباء … فإنني أوصي الجميع بالتحصن بالأدعية والأذكار والتوكل على العزيز الغفار مع الحرص على فعل الأسباب الوقائية والإجراءات الاحترازية واخذ اللقاحات والجرعات التنشيطية حفاظا على سلامتنا وعملا بقول ربنا: ﴿يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا خُذُوا حِذْرَكُمْ﴾ [النساء: 71].
نسأل الله تعالى أن يحفظنا بحفظه فهو خير الحافظين وأن يرفع البلاء عن بلادنا وبلاد المسلمين.
ثم صلوا على إمام المتقين وقائد الغر المحجلين كما أمركم بذلك رب العالمين…….