دكتور عمر العمر > الخطب > خطب نصية > جريمة الزنا وأسباب الوقاية منها

جريمة الزنا وأسباب الوقاية منها

جريمة الزنا وأسباب الوقاية منها

الحمد لله رب العالمين الرحمن الرحيم مالك يوم الدين، والصلاة والسلام أتمان الأكملان على نبينا محمد، وعلى آله وصحبه أجمعين.

أما بعد فاتقوا الله معاشر المسلمين وتمسكوا بالدين القويم وما جاء في القرآن المبين وسنة خير المرسلين صلى الله عليه وسلم.

ومن ذلك قول الله تعالى: (وَلاَ تَقْرَبُواْ الزِّنَى إِنَّهُ كَانَ فَاحِشَةً وَسَاء سَبِيلاً) [الإسراء:32].

قال ابن كثير رحمه الله في تفسير هذه الآية:

((يقول تعالى ناهيا عباده عن الزنا وعن مقاربته وهو مخالطة أسبابه ودواعيه (ولا تقربوا الزنا إنه كان فاحشة) أي ذنبا عظيما (وساء سبيلا) أي وبئس طريقا ومسلكا)) اه

معاشر المسلمين:

ولخطر الزنا فقد جاء الوعيد الشديد لمن وقع في هذه الفاحشة والكبيرة العظيمة من كبائر الذنوب بالعذاب الأليم في نار الجحيم.

فقد أخبر النبي صلى الله عليه وسلم عن عقاب الزناة، فيما رآه في منامه، حين أتاه ملكان وجاء فيه قوله صلى الله عليه وسلم: (فَانْطَلَقْنَا إِلَى ثَقْبٍ مِثْلِ التَّنُّورِ أَعْلَاهُ ضَيِّقٌ وَأَسْفَلُهُ وَاسِعٌ يَتَوَقَّدُ تَحْتَهُ نَارًا فَإِذَا اقْتَرَبَ ارْتَفَعُوا حَتَّى كَادَ أَنْ يَخْرُجُوا فَإِذَا خَمَدَتْ رَجَعُوا فِيهَا وَفِيهَا رِجَالٌ وَنِسَاءٌ عُرَاةٌ فَقُلْتُ مَنْ هَذَا قَالَا انْطَلِقْ فَانْطَلَقْنَا) رواه البخاري (1386).

وفي رواية له أيضا (7047): (فَانْطَلَقْنَا فَأَتَيْنَا عَلَى مِثْلِ التَّنُّورِ قَالَ فَأَحْسِبُ أَنَّهُ كَانَ يَقُولُ فَإِذَا فِيهِ لَغَطٌ وَأَصْوَاتٌ قَالَ فَاطَّلَعْنَا فِيهِ فَإِذَا فِيهِ رِجَالٌ وَنِسَاءٌ عُرَاةٌ وَإِذَا هُمْ يَأْتِيهِمْ لَهَبٌ مِنْ أَسْفَلَ مِنْهُمْ فَإِذَا أَتَاهُمْ ذَلِكَ اللَّهَبُ ضَوْضَوْا قَالَ قُلْتُ لَهُمَا مَا هَؤُلَاءِ قَالَ قَالَا لِي انْطَلِقْ انْطَلِقْ) الحديث، وفي آخره: (وَأَمَّا الرِّجَالُ وَالنِّسَاءُ الْعُرَاةُ الَّذِينَ فِي مِثْلِ بِنَاءِ التَّنُّورِ فَإِنَّهُمْ الزُّنَاةُ وَالزَّوَانِي).

معاشر المسلمين:

ومن أدلة قبح هذه الفاحشة النكراء أنها قُرنت بجريمتي الردة والقتل، فعَنْ عبدِ الله بن مَسعودٍ -رضي الله عنه- قالَ: قالَ رَسولُ الله -صلى الله عليه وسلم-: “لا يَحِلُّ دَمُ امرِئٍ مُسلِمٍ إلاَّ بِإحْدَى ثَلاثٍ: الثَّيِّبُ الزَّانِي، والنَّفسُ بالنَّفسِ، والتَّارِكُ لِدينِهِ المُفارِقُ لِلجماعَةِ”. متفق عليه.

ومما يدل على خطر الزنا منافاته للإيمان الواجب كما جاء في حديث أَبِى هُرَيْرَةَ أَنَّ النَّبِىَّ -صلى الله عليه وسلم- قَالَ: “لاَ يَزْنِى الزَّانِى حِينَ يَزْنِى وَهُوَ مُؤْمِنٌ” متفق عليه.

وجريمة الزنا تعظم وتكون أشد جرما إذا كانت بين الجار و زوجة جاره، فعَنْ عَبْدِ اللَّهِ بن مسعود -رضي الله عنه- قَالَ: قُلْتُ يَا رَسُولَ اللَّهِ! أَىُّ الذَّنْبِ أَعْظَمُ؟ قَالَ: “أَنْ تَجْعَلَ لِلَّهِ نِدًّا وَهْوَ خَلَقَكَ”. قُلْتُ: ثُمَّ أَيّ؟ قَالَ: “أَنْ تَقْتُلَ وَلَدَكَ مِنْ أَجْلِ أَنْ يَطْعَمَ مَعَكَ”، قُلْتُ: ثُمَّ أَيّ؟ قَالَ: أَنْ تُزَانِىَ حَلِيلَةَ جَارِكَ” رواه البخاري ومسلم.

معاشر المسلمين:

ولأجل خطر الزنا فقد نهانا ربنا عن كل وسيلة أو سبب يؤدي إلى فعله أو الاقتراب منه، كما قال سبحانه وتعالى:

(وَلاَ تَقْرَبُواْ الزِّنَى إِنَّهُ كَانَ فَاحِشَةً وَسَاء سَبِيلاً)

وأسباب الوقوع في الزنا متعددة ومن ذلك:

1/ التساهل في إطلاق البصر والنظر إلى ما حرم الله تعالى

 قال الله تعالى: (قُلْ لِلْمُؤْمِنِينَ يَغُضُّوا مِنْ أَبْصَارِهِمْ وَيَحْفَظُوا فُرُوجَهُمْ ذَلِكَ أَزْكَى لَهُمْ إِنَّ اللَّهَ خَبِيرٌ بِمَا يَصْنَعُونَ * وَقُلْ لِلْمُؤْمِنَاتِ يَغْضُضْنَ مِنْ أَبْصَارِهِنَّ وَيَحْفَظْنَ فُرُوجَهُنَّ) وفي هذه الآيات قدم ربنا جل وعلا غض البصر على حفظ الفرج لأن النظر بريد الزنا.

قال صلى الله عليه وسلم: (العينان تزنيان، وزناهما النظر) متفق عليه.

وصدق القائل:

كـل الحوادث مبدأها من النظر * ومعظم النار من مستصغر الشرر

كم نظرة فتكت في قلب صاحبها * فتك الســهام بلا قوس ولا وتر

ولهذا يجب أن يحذر المرء من مشاهدة الصور أو مقاطع الفيديو الخليعة سواء في القنوات أو مواقع التواصل الاجتماعي التي أصبحت في متناول الجميع نسأل الله العافية والسلامة.

2/ تبرج النساء، والتهاون في الحجاب الشرعي.

فالحجاب الشرعي للمرأة المسلمة صمام أمان لها وللمجتمع. قال الله تعالى: “وإذا سألتموهن متاعا فاسألوهن من وراء حجاب ذلكم أطهر لقلوبكم وقلوبهن”.

وقال سبحانه: (وَقَرْنَ فِى بُيُوتِكُنَّ وَلاَ تَبَرَّجْنَ تَبَرُّجَ الْجَاهِلِيَّةِ الأولَى) [الأحزاب:33]، وفي هذه الآية نهاهُنَّ اللهُ عن تبرجِ الجاهلية، بإظهار المحاسن، كالرأس والوجه والعنق والصدر والذراع والساق، ونحو ذلك لما في ذلك من الفساد العظيم، والفتنة بالنساء.

ولهذا حذرنا النبي صلّي اللهُ عليه وسلَّم من فتنة النساء فقال: «اتَّقوا الدُّنيا واتَّقوا النِّساءَ، فإنَّ أوَّلَ فتنةِ بني إسْرائيلَ كانتْ في النِّساءِ». رواه مُسْلم.

وجاء في الصحيحين قوله صلى الله عليه وسلم: (ما تركتُ بعدي فتنةً أَضَرَّ على الرجالِ من النساءِ) متفق عليه.

3/ خضوع المرأة في القول وتميعها بالكلام مع الرجال، فإن ذلك أيضا يفتح أبواب الفتنة: قال الله تعالى: (يَانِسَاءَ النَّبِىِّ لَسْتُنَّ كَأَحَدٍ مّنَ النّسَاء إِنِ اتَّقَيْتُنَّ فَلاَ تَخْضَعْنَ بِالْقَوْلِ فَيَطْمَعَ الَّذِي فِي قَلْبِهِ مَرَضٌ) [32].

وهذا نهيٌ لنساء النبي صلى الله عليه وسلم الطاهرات عن الخضوع بالقول؛ حتى لا يطمع الذي في قلبه شهوة الزنا….. فكيف بغيرهن؟!.

4/ من أسباب الزنا خلوة المرأة بالرجل الأجنبي: فعَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ عَنِ النَّبِىِّ -صلى الله عليه وسلم- قَالَ: “لاَ يَخْلُوَنَّ رَجُلٌ بِامْرَأَةٍ إِلاَّ مَعَ ذِى مَحْرَمٍ” فَقَامَ رَجُلٌ فَقَالَ: يَا رَسُولَ اللَّهِ! امْرَأَتِي خَرَجَتْ حَاجَّةً وَاكْتُتِبْتُ فِى غَزْوَةِ كَذَا وَكَذَا. قَالَ: “ارْجِعْ فَحُجَّ مَعَ امْرَأَتِكَ” أخرجه البخاري ومسلم.

قال ابن حجر: (فيه منع الخلوة بالأجنبية، وهو إجماع) فتح الباري (4/92).

وعَن عُمَرَ بْنِ الْخَطَّابِ قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ -صلى الله عليه وسلم-: “لاَ يَخْلُوَنَّ أَحَدُكُمْ بِامْرَأَةٍ، فَإِنَّ الشَّيْطَانَ ثَالِثُهُمَا” رواه أحمد.

وجاء التحذير من الدخول على النساء لغير المحارم: فعَنْ عُقْبَةَ بْنِ عَامِرٍ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ – صلى الله عليه وسلم – قَالَ “إِيَّاكُمْ وَالدُّخُولَ عَلَى النِّسَاءِ!” فَقَالَ رَجُلٌ مِنَ الأَنْصَارِ: يَا رَسُولَ اللَّهِ! أَفَرَأَيْتَ الْحَمْوَ؟. قَالَ: “الْحَمْوُ الْمَوْتُ” أخرجه البخاري ومسلم.

والمراد بالحمو أقارب الزوج من غير المحارم، كالأخ والعم والخال وأبنائهم.

وقوله: “الحمو الموت” أي: لقاؤه الهلاك؛ لأن دخوله أخطر من دخول الأجنبي، وأقرب إلى وقوع الجريمة؛ لأن الناس يتساهلون بخلطة الرجل بزوجة أخيه والخلوة بها فيدخل بدون نَكير، فيكون الشر منه أكثر، والفتنة به أخطر.

5/ ومن دواعي الزنا ما يحصل من النساء من إثارة الرجال: فقد جاءَ النهيُ عن كلِ ما يثيرُ الرجالَ، ومن ذلك قوله -صلى الله عليه وسلم-: “أَيُّمَا امْرَأَةٍ اسْتَعْطَرَتْ فَمَرَّتْ عَلَى قَوْمٍ لِيَجِدُوا مِنْ رِيحِهَا فَهِىَ زَانِيَةٌ” رواه النسائي وأحمد.

أعوذ بالله من الشيطان

(يَٰٓأَيُّهَا ٱلَّذِينَ ءَامَنُواْ قُوٓاْ أَنفُسَكُمْ وَأَهْلِيكُمْ نَارًا وَقُودُهَا ٱلنَّاسُ وَٱلْحِجَارَةُ عَلَيْهَا مَلَٰٓئِكَةٌ غِلَاظٌ شِدَادٌ لَّا يَعْصُونَ ٱللَّهَ مَآ أَمَرَهُمْ وَيَفْعَلُونَ مَا يُؤْمَرُونَ).

الخطبة الثانية

معاشر المسلمين:

لقد مدح الله المؤمنين بقوله: (قَدْ أَفْلَحَ الْمُؤْمِنُونَ) [المؤمنون:1]، ثم ذكر من صفاتهم: (وَالَّذِينَ هُمْ لِفُرُوجِهِمْ حَافِظُونَ * إِلاَّ عَلَى أَزْوَاجِهِمْ أوْ مَا مَلَكَتْ أَيْمَانُهُمْ فَإِنَّهُمْ غَيْرُ مَلُومِينَ * فَمَنِ ابْتَغَى وَرَاء ذَلِكَ فَأُوْلَئِكَ هُمُ الْعَادُونَ) [5-7].

وعَنْ أَبِى هُرَيْرَةَ -رضي الله عنه- عَنِ النَّبِىِّ -صلى الله عليه وسلم- قَالَ: “سَبْعَةٌ يُظِلُّهُمُ اللَّهُ تَعَالَى فِى ظِلِّهِ يَوْمَ لاَ ظِلَّ إِلاَّ ظِلُّهُ”، ثم ذكر من هؤلاء السبعة فقال: “وَرَجُلٌ دَعَتْهُ امْرَأَةٌ ذَاتُ مَنْصِبٍ وَجَمَالٍ فَقَالَ إِنِّى أَخَافُ اللَّهَ” رواه البخاري.

وحفظ الفرج عن الحرام من أسباب دخول الجنة فعَنْ سَهْلِ بْنِ سَعْدٍ عَنْ رَسُولِ اللَّهِ -صلى الله عليه وسلم- قَالَ: “مَنْ يَضْمَنْ لِى مَا بَيْنَ لَحْيَيْهِ وَمَا بَيْنَ رِجْلَيْهِ أَضْمَنْ لَهُ الْجَنَّةَ” رواه البخاري.

معاشر المسلمين:

ومن أسباب حفظ المجتمع من الفواحش وحصول العفة بين الشباب والفتيات تيسير سبل الزواج؛ قال الله تعالى: ﴿وَأَنْكِحُوا الْأَيَامَى مِنْكُمْ وَالصَّالِحِينَ مِنْ عِبَادِكُمْ وَإِمَائِكُمْ إِنْ يَكُونُوا فُقَرَاءَ يُغْنِهِمُ اللَّهُ مِنْ فَضْلِهِ﴾ [النور: 32]، والتزام العفاف لمن لا يقدر على تكاليف النكاح؛ قال تعالى: ﴿وَلْيَسْتَعْفِفِ الَّذِينَ لَا يَجِدُونَ نِكَاحًا حَتَّى يُغْنِيَهُمُ اللَّهُ مِنْ فَضْلِهِ﴾ [النور: 33]، فمن عفَّ عن الحرام خوفًا من الله تعالى، أغناه الله تعالى ورزقه الحلال، فمن ترك شيئًا لله، عوَّضه الله خيرًا منه.

معاشر المسلمين:

والتوبة ولله الحمد بابها مفتوح لمن وقع في السيئات والفواحش والموبقات…

قال الله تعالى: (وَالَّذِينَ لا يَدْعُونَ مَعَ اللَّهِ إِلَهًا آخَرَ وَلا يَقْتُلُونَ النَّفْسَ الَّتِي حَرَّمَ اللَّهُ إِلاَّ بِالْحَقِّ وَلا يَزْنُونَ وَمَن يَفْعَلْ ذَلِكَ يَلْقَ أَثَامًا * يُضَاعَفْ لَهُ الْعَذَابُ يَوْمَ الْقِيَامَةِ وَيَخْلُدْ فِيهِ مُهَانًا * إِلاَّ مَن تَابَ وَآمَنَ وَعَمِلَ عَمَلاً صَالِحًا فَأُوْلَئِكَ يُبَدِّلُ اللَّهُ سَيِّئَاتِهِمْ حَسَنَاتٍ وَكَانَ اللَّهُ غَفُورًا رَّحِيمًا) [الفرقان:68-70].

وقال سبحانه: (وَالذِينَ إِذَا فَعَلُوا فَاحِشَةً أَوْ ظَلَمُواْ أَنْفُسَهُمْ ذَكَرُواْ اللَّهَ فَاسْتَغْفَرُواْ لِذُنُوبِهِمْ وَمَن يَغْفِرُ الذُّنُوبَ إِلاَّ اللَّهُ وَلَمْ يُصِرُّواْ عَلَى مَا فَعَلُواْ وَهُمْ يَعْلَمُونَ * أُوْلَئِكَ جَزَآؤُهُم مَّغْفِرَةٌ مِّن رَّبِّهِمْ وَجَنَّاتٌ تَجْرِي مِن تَحْتِهَا الأَنْهَارُ خَالِدِينَ فِيهَا وَنِعْمَ أَجْرُ الْعَامِلِينَ) [آل عمران:135-136].

نسأل الله تعالى أن يتوب علينا وعلى التائبين وإن يغفر ذنوبنا أجمعين.

***

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *